فصل: تفسير الآيات (38- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآيات (38- 39):

{فَلَا أُقْسِمُ بما تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)}
قد تقدم الكلام في {فَلا أُقْسِمُ بما تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 75] لا أقسم واقع النجوم وما تبصرون وما لا تبصرون المشاهدات والمغيبات وإليه يرجع قول قتادة هو عام في جميع مخلوقاته عز وجل وقال عطاء ما تبصرون من آثار القدرة وما لا تبصرون من أسرار القدرة وقيل الأجسام والأرواح وقيل الدنيا والآخرة وقيل الإنس والجن والملائكة وقيل الخلق والخالق وقيل النعم الظاهرة والباطنة والأول شامل لجميع ما ذكر وسبب النزول على ما قال مقاتل: إن الوليد قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم ساحر وقال أبو جهل شاعر وقال عتبة كاهن فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ} إلخ.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)}
{أَنَّهُ} أي القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ} يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه {كَرِيمٌ} على الله عز وجل وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قول الأكثرين وقال ابن السائب ومقاتل وابن قتيبة هو جبريل عليه السلام وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (41):

{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)}
{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} إلخ قيل دليل لما قاله الأكثرون لأن المعنى على إثبات أنه عليه الصلاة والسلام رسول لا شاعر ولا كاهن كما يشعر بذلك سبب النزول وتوضيح ذلك أنهم ما كانوا يقولون في جبريل عليه السلام أنه كذا وكذا وإنما كانوا يقولونه في النبي صلى الله عليه وسلم فلو أريد برسول كريم جبريل عليه السلام لفات التقابل ولم يحسن العطف كما تقول أنه لقول عالم وما هو بقول جاهل ولو قلت وما هو بقول شجاع نسبت إلى ما تكره وتعقبه بعض الأئمة بأن هذا صحيح إن سلم أن المعنى على إثبات رسول لا شاعر ويكون قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ لا قَوْلَ شَاعِرٌ} إثباتًا للرسالة على طريق الكناية أما إذا جعل المقصود من السياق إثبات حقية المنزل وأنه من الله عز وجل فإنه تذكرة لهؤلاء وحسرة لمقابليهم وهو في نفسه صدق ويقين لا يحوم حوله شك كما يدل عليه ما بعد فللقول الثاني أيضًا موقع حسن وكأنه قيل إن هذا القرآن لقول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد صلى الله عليه وسلم كما تزعمون وتدعون أنه شاعر وكاهن ويكون قد نفى عنه صلى الله عليه وسلم الشعر والكهانة على سبيل الإدماج انتهى وهو تحقيق حسن {قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ} أي تصدقون تصديقًا قليلًا على أن قليلًا صفة للمفعول المطلق لتؤمنون وما مزيدة للتأكيد والقلة عناها الظاهر لأنهم لظهور صدقه صلى الله عليه وسلم لزم تصديقهم له عليه الصلاة والسلام في الجملة وإن أظهروا خلافه عنادًا وأبوه تمردًا بألسنتهم وحمل الزمخشري القلة على العدم والنفي أي لا تؤمنون البتة ولا كلام فيه سوى أنه دون الأول في الظهور وقال أبو حيان لا يراد بقليلًا هنا النفي المحض كما زعم فذلك لا يكون إلا في أقل نحو أقل رجل يقول كذا إلا زيد وفي قل نحو قل رجل يقول كذا إلا زيد وقد يكون في قليل وقليلة إذا كانا مرفوعين نحو ما جوزوا في قوله:
أنيخت فالقت بلدة فوق بلدة ** قليل بها الأصوات الابغامها

أما إذا كان منصوبًا نحو قليلًا ضربت أو قليلًا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية فإن ذلك لا يجوز لأنه في قليلًا ضربت منصوب بضربت ولم تستعمل العرب قليلًا إذا انتصب بالفعل نفيًا بل مقابلًا للكثير وأما في قليلًا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية فيحتاج إلى رفع قليل لأن ما المصدرية في موضع رفع على الابتداء اه. وأنت تعلم أن مثل ذلك لا يسمع على مثل الزمخشري بغير دليل فإن الظاهر أنه ما قال ما قال إلا عن وقوف وهو فارس ميدان العربية وجوز كونه صفة لزمان محذوف أي زمانًا قليلًا تؤمنون وذلك على ما قيل إذا سألوا من خلقهم أو من خلق السموات والأرض فإنهم يقولون حينئذٍ الله تعالى وقال ابن عطية نصب قليلًا بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون ويحتمل أن تكون ما نافية فينتفي إيمانهم البتة ويحتمل أن تكون مصدرية وما يتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي وقد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئًا ككون الصلة والعفاف اللذين كانا يأمر بهما عليه الصلاة والسلام حقًا وصوابًا اه.
وتعقب بأنه لا يصح نصب قليلًا بفعل مضمر دال عليه تؤمنون لأنه إما أن تكون ما المقدرة معه نافية فالفعل المنفي بما لا يجوز حذفه وكذا حذف ما فلا يجوز زيدًا ما أضربه على تقدير ما أضرب زيدًا ما أضربه وإن كانت مصدرية كانت إما في موضع رفع على الفاعلية بقليلًا أي قليلًا إيمانكم ويرد عليه لزوم عمله من غير تقدم ما يعتمد عليه ونصبه لا ناصب له وإما في موضع رفع على الابتداء ويرد عليه لزوم كونه مبتدأ بلا خبر لأن ما قبله منصوب لا مرفوع فتأمل وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بخلاف عنهما والحسن والجحدري يؤمنون بالياء التحتية على الالتفات.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)}
{وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ} كما تدعون مرة أخرى {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} أي تذكرون تذكرًا قليلًا فلذلك يلتبس الأمر عليكم وتمام الكلام فيه إعرابًا كالكلام فيما قبله وكذا القراءة وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية قيل لما أن عدم مشابهة القرآن الشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند فلا عذر لمدعيها في ترك الإيمان وهو أكفر من حمار بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحواله صلى الله عليه وسلم ومعاني القرآن المنافية لطريق الكهانة ومعاني أقوالهم وتعقب بأن ذلك أيضًا مما يتوقف على تأمل قطعًا وأجيب بأنه يكفي في الغرض الفرق بينهما أن توقف الأول دون توقف الثاني.

.تفسير الآية رقم (43):

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)}
{تَنزِيلَ} أي هو تنزيل {مِن رَّبّ العالمين} نزله سبحانه على لسان جبريل عليه السلام وقرأ أبو السمال تنزيلًا بالنصب بتقدير نزله تنزيلًا.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)}
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقاويل} التقول الافتراء وسمي تقولًا لأنه قول متكلف والأقاويل الأقوال المفتراة وهي جمع قول على غير القياس أو جمع أقوال فهو جمع الجمع كأناعيم جمع أنعام وأبابيت جمع أبيات وفي الكشاف سمى الأقوال المتقولة أقاويل تصغيرًا لها وتحقيرًا كقولك الأعاجيب والأضاحيك كأنها جمع أفعولة من القول وتعقبه ابن المنير بأن أفعولة من القول غريب عن القياس التصريفي وأجيب بأنه غير وارد لأن مراده أنه جمع لمفرد غير مستعمل لأنه لا وجه لاختصاصه بالافتراء غير ما ذكر والأحسن أن يقال نع اختصاصه وضعًا وأنه جمع على ما سمعت والتحقير جاء من السياق والمراد لو ادعى علينا شيئًا لم نقله.

.تفسير الآية رقم (45):

{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)}
{لاخَذْنَا مِنْهُ} أي لأمسكناه وقوله تعالى: {باليمين} أي بيان بيمينه بعد الإبهام كما في قوله سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.}

.تفسير الآية رقم (46):

{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} أي وتينه وهو كما قال ابن عباس نياط القلب الذي إذا انقطع مات صاحبه وعن مجاهد أنه الحبل الذي في الظهر وهو النخاع وقال الكلبي هو عرق بين العلباء وهي عصب العنق والحلقوم وقيل عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر ومنه قول الشماخ بن ضرار:
إذا بلغتني وحملت رحلي ** عرابة فأشرقي بدم الوتين

وهذا تصوير للإهلاك بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه وعن الحسن أن المعنى لقطعنا يمينه ثم لقطعنا وتينه عبرة ونكالًا والباء عليه زائدة وعن ابن عباس أن اليمين عنى القوة والمراد أخذ بعنف وشدة وضعف بأن فيه ارتكاب مجاز من غير فائدة وأنه يفوت فيه التصوير والتفصيل والإجمال ويصير منه زائدًا لا فائدة فيه وقرأ ذكوان وابنه محمد {ولو يقول} [الحاقة: 44] مضارع قال وقرئ {ولو تقول} مبنيًا للمفعول فنائب الفاعل بعض أن كان قد قرئ مرفوعًا وإن كان قد قرئ منصوبًا فهو علينا.

.تفسير الآية رقم (47):

{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)}
{فَمَا مِنكُم} أيها الناس {مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ} أي عن هذا الفعل وهو القتل {حاجزين} أي مانعين يعني فما يمنع أحد عن قتله واستظهر عود ضمير عنه لمن عاد عليه ضمير تقول والمعنى فما يحول أحد بيننا وبينه والظاهر في حاجزين أن يكون خبرًا لما على لغة الحجازيين لأنه هو محط الفائدة ومن زائدة واحد اسمها ومنكم قيل في موضع الحال منه لأنه لو تأخر لكان صفة له فلما تقدم أعرب حالًا كما هو الشائع في نعت النكرة إذا تقدم عليها ونظر في ذلك وقيل للبيان أو متعلق بحاجزين كما تقول ما فيك زيد راغبًا ولا يمنع هذا الفصل من انتصاب خبر ما وقال الحوفي وغيره: إن حاجزين نعت لأحد وجمع على المعنى لأنه في معنى الجماعة يقع في النفي العام للواحد والجمع والمذكر والمؤنث ومنه {لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285] و{لستن كأحد من النساء} [الأحزاب: 32] فأحد مبتدأ والخبر منكم وضعف هذا القول بأن النفي يتسلط على الخبر وهو كينونته منكم فلا يتسلط على الحجز مع أنه الحقيق بتسلطه عليه.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)}
{وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتَّقِينَ} لأنهم المنتفعون به.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)}
{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ} فنجازيهم على تكذيبهم وقيل الخطاب للمسلمين والمعنى أن منهم ناسًا سيكفرون بالقرآن.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}
{وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَحَسْرَةٌ} عظيمة {عَلَى الكافرين} عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين وقال مقاتل وأن تكذيبهم بالقرآن لحسرة عليهم فأعاد الضمير للمصدر المفهوم من قوله تعالى: {مكذبين} والأول أظهر.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)}
{وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَحَقُّ اليقين} أي لليقين حق اليقين والمعنى لعين اليقين فهو على نحو عين الشيء ونفسه والإضافة عنى اللام على ما صرح به في الكشف وجوز أن تكون الإضافة فيه على معنى من أي الحق الثابت من اليقين وقد تقدم في الواقعة ما ينفعك هنا فتذكره وذكر بعض الصوفية قدست أسرارهم أن أعلى مراتب العلم حق اليقين ودونه عين اليقين ودونه علم اليقين فالأول كعلم العاقل بالموت إذا ذاقه والثاني كعلمه به عند معاينة ملائكته عليهم السلام والثالث كعلمه به في سائر أوقاته وتمام الكلام في ذلك يطلب من كتبهم.

.تفسير الآية رقم (52):

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
{فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} أي فسبح الله تعالى بذكر اسمه العظيم تنزيهًا له عن الرضا بالتقول عليه وشكرًا على ما أوحي إليك من هذا القرآن الجليل الشأن وقد مر نحو هذا في الواقعة أيضًا فارجع إليه إن أردت والله تعالى الموفق.